أحزان السنة العراقية

المقاله تحت باب  نصوص شعرية
في 
10/03/2009 06:00 AM
GMT



 شـــبـــاط

16شباط
أنت مقيد
وأنا مشلول
ليس جداراً ذلك الذي يفصل بيني وبينكَ
ليس باب غرفتي
ولا باب غرفتك
ليست المسافة بين حروف الموسيقا
وبين نشوتكَ
إنهُ أثخنُ بكثير
وأرعبُ بكثير
لا أصل إليكَ بسيارةٍ
ولا بهاتف جوّال.
يفصلني عنك، اليوم، وادي الظلمات
يفصلني درب الصد ما رد
وأنت رهين قبضتهم
يفصلني عنك زمنٌ يمتدُ لأكثر من ألف سنةٍ
منذ تركتُ البداوةَ والفلاحةَ عالقةً بأجدادي
وهربت منهم
منذ حوّلت سيوفهم إلى  رماد
وجعلتُ من بنادقهم كلاماً جميلاً
وخناجرهم تحفاً معلقةً على جدراني
ورمالهم إلى بساتين  
منذ أن أدركت أن الخيام وبيوت الطين تهين الإنسان
منذ أن أبدلتُ عقلي بمصباحٍ
ومنذ أن جعلتُ من ذاتي لؤلؤةً
مروان..
أنتَ في قبضة هؤلاء
أنت في يد الماضي الذي غادرته بشقاء
والذي حوّلته إلى لهبٍ أزرق ينتشرُ بين كلماتي
الذي أبعد أقبيته وسجونه وصحراءه
تلك التي يمرحون فيها
تفصلني الجبالُ السبعة عنك
تفصلني الضباعُ والأسود والأفاعي
أنتً مقيّدٌ
وأنا مشلول
فكيف سنلتقي.

17شباط
عيـن
أنا على شفير الهاوية
ولدي ضمّني
ربما أرتَفعُ بكَ
لن يكون هناك أحدٌ سواك
ولا أريد أن اسقط في الريح
أنا رهين أنفاسك
أرجوك دلني على الجهات
العراق يحترق فلا تحترق معه
انوحفي البراري كل ليلة:
إبكِ على حالتي بالدمع يا عينْ
صبِّي عليه.. لم تُصبه العين
لو كان في مهجتي نبعٌ، زلالٌ، عينْ
ما كنتُ أبقيكَ تمشي تشتهيكَ العينْ
في الليل الحزين
وأنا على شفير الهاوية
ليس هناك
سوى مروان
يلوّح لي بالمرارة
وألوّح له بالبكاء.

18شباط
نساء السواد
تقدمنَ في الزجاج
حاملات الأوجاع والمشاعل
تقدمنَ في الطين
حاملات الجمال والفجائع
وقفت الذئابُ في طرقهنَّ مكشرّة الأنياب
لكنهنّ تقدمنَ في أجساد الذئاب
مثل الأمازونات
غسلوا عن وجوههنَّ النور
ثم وضعوا المكياج الفاسد
أفرغوا قاماتهنّ الشبوطية من الزهور
وأدخلوهنَّ في أكياس سوداء
أشبعوهنّ وخزاً بالمخايط والمسامير
مزقوا شبابهنّ
وعبثوا بشباكهن الحرير
حاملات النهار
ملأوا قواريرهنّ بالقبح
ونفخوا في شموعهنّ السموم
وجوههنّ الكالحة
شفاههنّ المزبدة من كثر الصياح
نهودهنّ الضامرة
الشعر الأسود ا لنابت على سيقانهن كالشوك
رائحتهن الملتبسة
أظافرهن المتسخة المقرطفة
شوارعهن الملأى بالأحجار والغبار
بيوتهنّ المشبعة بالبكاء
جدران حياتهن المليئة بالصور الشمسية
وقصاصات الجرائد الصفراء
ماذا فعلنا بنسائنا؟
أجمل مخلوقات الكون
ما هذه الكنوز التي عبثنا بها؟
وحدها الليالي
تعرفُ أوجاع هذه العابرة تحت المطر
تفتحت جراحها وخاطتها غير ذي مرةٍ.
لا يعرفون معنى أن تنشف المياه
في جذع امرأةٍ
لا يعرفون معنى أن تغور عيونها
في المحاجر
وأن يتحول جسدها إلى ترابٍ ورماد.
تنوحُ النساء في العراق
مثلما تنوح الأشجار والأنهار
لكن نواح النساء يأكلُ لحمنا
 ويحفر عظامنا
ويحولنا إلى مزابل.

19شباط
محاولات
نزل الشاعر إلى شوارع بغداد
لا ليقرأ قصيدته بل ليتسوق!
رأى أشياء كثيرة وخرج من السوق دون أن يشتري شيئاً
وقال مع نفسه: «كم هناك من الأشياء لا أحتاجها !!» (*)
صعد الشاعر سيارة مزدحمةً
لا ليكتب قصيدةً بل ليصل إلى بيته
ومضت السيارة لساعات.. وهو صافنٌ
لساعات طويلة.. لكنه لم يصل إلى البيت
وقف الشاعر في الزحام الطويل
لا ليهمسَ للطيور بل ليحصل على جواز سفرٍ
لأيام طويلة وقفَ.. لكنه لم يحصل على الجواز.
وضع الشاعرُ كوفيةً على رأسه وفمه
لا ليتلثم كالمسلحين بل ليهرب منهم
كان خائفاً من أن يخطفوه
لأيام طويلةٍ وضعها.. لأيام طويلةٍ كان يبكي منظره هكذا.
أغمد الشاعرُ خنجراً في قلبه
لا بسبب يأسه بل ليزيح الدم الفاسد الذي خلفته ترهات البلاد فيه.
لساعات طويلة كان ينـزف.. لكنه لم يمت.
ركضَ الشاعرُ في الشوارع
لا ليبحث عن ولده ..
بل ليجد طريقاً للخروج من البلاد كلها.
لأيام طويلةٍ يركضُ.. ولكنه لم يخرج.
تحرك الشاعرُ في قيوده
حرّكَ الهواء
وحرّكَ الأرضَ معه.
--------------------
(*) هذه العبارة لسقراط